١٣٤يوم من الصمود وصدمة العدو من عدد أبطال كبريت

كتبت: رحمه عارف
في واحدة من أعظم البطولات التي قام بها أبطال أكتوبر تبرز معركة كبريت التي أظهرت مدى قوة وبثالة الجندي المصري في ظل حصار قاسي دام لأكثر من ١٠٠ يوم دون رفع راية الاستسلام .
قال محمد نور الدين : بطل حصار كبريت ،وحاصل على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى فى حرب أكتوبر من الرئيس الراحل أنور السادات ودرع التفوق العسكرى من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
إن اللواء١٣٣ مشاة أسطول هو الوحيد في مصر مكون من كتيبتين برمائيتين، كانت مهمتنا وقت العبور المرور من البحيرات بي الدبابات البر مائية وننطلق من ممر متلا و الجدي ، لمنع أي مساعدات تأتي للعدو حتي يتم بناء الكباري للعبور، وهي ما وصفت بأنها مهمة انتحارية ، وبعد الانتهاء من المهمة وإنشاء الكباري ، كان من المفترض الرجوع لإعادة تشكيل اللواء بعد تنفيذ المهمة بنجاح ولكن جاء أمر يوم ٨ أكتوبر يفيد بعدم سقوط نقطة عند خط برليف وهى “كبريت ” وتم التوجه إليها واحتلالها ورفع العلم المصري وتم أثرعدد من جنود العدو فيما هرب آخرون ، الذي تفاجأ بنا لأنهم توقعوا أننا سوف نأتي من الشرق وليس الغرب .
البحث عن ثغرة
كما وضع قائد الكتيبة ١٠٣ المقدم إبراهيم عبد التواب، خطط لسد أي ثغرة يمكن أن يمر منها العدو وبالفعل فشلت كل محاولات العدو للدخول لنا ، ويوم ١٧ بدأ طياران العدو بضرب مكثف لموقعنا ولن نكن نتمتع بقوات الدفاع الجوي كنا نتحصن بالملاجئ ،كما كان العدو يضرب موقعنا صباحا ويحاول ليلا الاقتحام لكن دون أي جدوي بل كبدناهم خسائر كبيرة ، كان العدو يبحث عن أي ثغرة حتي يستعيد كبريت مرة أخرى لإقامة ممرات للانتقال منها للغرب لتكون نقطة موازية لثغرةالدفرسوار القريبة من بورسعيد ولتكون كبريت قريبة من السويس .
دوريات الموت وانقطاع الاتصال
إن ضرب العدو لم يتوقف نهارا إلى قليلا ، انقطاع الاتصال قد أثر وليس كثيرا لأننا ندافع عن الأرض دون الانشغال بأي شيء آخر ،لم يكن لدينا أجهزة أو بوصلة اتجاهات لم نكن نعلم أننا وحدنا وبعاد عن الجيش الثالث بحوالي ١٧ كيلوا ولا نعلم اين وصلت الحرب ، تم إخراج دورية تتكون من جنديان للوصول للجيش الثالث مروا بين العدو وتم الوصول إلى الفرقة السابعة ، عادوا يوم ٢٥ أكتوبر بعدما حصلا على جهاز لاسلكي الذي اعاد الأمل في التواصل مع القيادات كما مكنا من بدء عمليات تسلل كان من أهمها نقل المصابين إلى مكان آمن لتلقي العلاج والحصول على طعام وماء بعد نفاذ ما لدينا .
تم تشكيل دوريات أطلق عليها دوريات الموت تقوم بتسلل للوصول إلى الجيش الثالث كانت تعود بالإمدادات دون أن يشعر بها العدو ولكن أثناء العودة نقوم باشتباكات لنشغل العدو حتي لا يشعر بهم .
المرور بجوار العدو والتضحية من أجل الآخر
وبعد التواصل مع الجيش الثالث كان يجب نقل المصابين الذي وصل عددهم ٢٢مصاب من بينهم إصابات خطيرة في ظل استشهاد الطبيب وضرب نقطة الإسعاف ،حينها طلب القائد إبراهيم عبد التواب متطوعين لنقل المصابين تصارع الجميع لنقل المصابين رغم علمهم بأن من الممكن ضرب الدورية ، فقام المقدم إبراهيم عبد التواب بإجراء قرعة لاختيار المتطوعين وكان لي الشرف أن أكون واحدا منهم ،مؤكدا لم يكن لدينا سوي أخشاب وغطاء المعدات وتحويلها إلى نقالات لنقل المصابين عليها ، فيما رفض أحد المصابين بإصابات خطيرة أن يتم نقلة قبل زميلة وبعد إلحاح قرر أن ينتقل متمسكا بكتف أحد الجنود سائرا بجراحة الخطيرة على قديمه .
تحركنا لمسافة ١٧ كيلو للوصول للجيش الثالث دون أن نفقد أحد منهم .
تحركنا ومعنا ٤٤جندي و٤ ضباط ولم يشعر بنا العدو ، ولكن أثناء العودة ونحن نحمل الماء والطعام وعلى مسافة قريبة من الموقع تم كشفنا وأطلق علينا النيران ولكن لإرادة الله كنا قريبين من الموقع فرد زملائنا بقصف مواقعهم حتى وصلنا .
وأضاف محمد نور الدين عند نفاذ المياه واشتد الحصار جاءت فكرة تحلية المياه من خلال استخدام مياه القناة المالحة ، فقد تذكر كيف كان أساتذته يقومون بتحلية مياه البحر أثناء دراسة بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، وبدأ بالعمل مع زملائه في ظل ظهور التعب والأعياء الذي ظهر على الكتيبة بسبب قلة المياه والشرب من مياه القناة واستخدموا أدوات بدائية ووضعوا مياه البحر في حلة ميدانية كبيرة وتم تسخينها حتى تتبخر ، ثم صنعوا بأيديهم أنابيب حتي يتم تمرير البخار وتم إحاطتها بخيش مبلل بماء القناة البارد لتكثيف البخار ،وتم وضع الماء في أحد الجراكن، وعند العمل مر القائد “إبراهيم عبد التواب ” ثم عاد وأخذ كوب ماء عذب فشربها وقال “من هنا لن تضيع ذرة رمل من أرض سيناء ”
لكن كان التقطير قليل يكفي لكل مقاتل كوب واحد طوال اليوم، كان يعمل الجميع لكي يحسنوا عمل الجهاز ، فبعد نفاذ الأخشاب المستخدمة في تسخين المياه ،استخدمنا فلنكات خشبية ” عوارض السكة الحديد” بخط قديم للسكك الحديدية شرق القناة فكان عليهم قطع مسافة 300متر للوصول لتلك الفلنكات وخلعها بوسائل ليست هى الأدوات اللازمة لفكها ، وتم حمل تلك الفلنكات على أكتافهم والعودة بها ، اثناء العودة شعر بهم العدو وأطلق نيران وأصيب بعضهم واستشهاد آخرين لكن لم يمنعهم الرصاص من التوقف لتحلية لمياه.
كان القائد “إبراهيم عبد التواب ” حريصا على مضاعفة المياه يوم الجمعة للوضوء لصلاة الجمعة التي كان يؤممها بنفسة ونظهر أمام عدسات رصد العدو أننا غير متأثرين بأي شيء .
لاحظ اليهود أن وقت صلاة الجمعة تهدئ الأصوات فقاموا بالضرب لكن كان الأقباط يتولون خلال وقت الصلاة مواجهتهم .
محادثات الكيلو 101
أضاف نور الدين لم يتوقف الضرب إلا بعد محادثات الكيلو ١٠١
حدث أكثر من حصار على كبريت من جانب العدو حيث طالب أثناء التفاوض تسليم الكتيبة وإعادتها إلى الجيش الثالث ” فيما رجع الجمصي ” رئيس الوفد المصري في مفاوضات الكيلو ١٠١”إلى القائد إبراهيم عبد التواب ليخبره بالمباحثات ،خوفا من أن لا نكون قادرين على الاستمرار في ظل الحصار والمعاناة ، لكن المقدم عبد التواب رفض ترك الموقع ، وعاد المفاوض الإسرائيلي مرة آخرة وقال أننا لنا الحق في تسليم انفسنا للصليب الاحمر بعيدا عن الاسرائيليين ليعيدنا الى الجيش الثالث ، وكان الجواب الرفض من الجميع فكانت السعادة على وجه عبد التواب بسبب قوتنا على التحمل ، وتم نقل القرار إلى الفريق الجمصي الذي كان في غاية السعادة ، وعادوا مرة آخرة وطالبوا أن نأخذ سلاحنا ونرحل ولكن رافضنا . فيما قال الشهيد الجمصي ” في التوقيت ده أنتم كنتوا بتقووا موقفي في المفاوضات”
كان يعتقد المفاوض الإسرائيلي أن الحصار ونفاذ الطعام والماء يجبرنا على الاستسلام أو نموت جوعا أو عطشا ، وقال عبد التواب ” لن نترك حبة رمل بعد أن حررناها ونحن أحياء ” .
وقال الرئيس السادات ” انا عايز اولادي يرجعوا بأي طريقة ” لكن احنا رفضنا أننا نسيب الأرض ونترك الشهداء .
محاولة آخيرة
حاول العدو قبل الإنسحاب ضرب موقعنا ليكون دعما له في المفاوضات ،لكن فشل ،كان أول انسحاب إسرائيلي ١٤يناير ١٩٧٤.
تم قصفنا في كبريت بقذائف الهاون في محاولة يائسة من العدو ،كان عبد التواب دائما يرفع معنوياتنا أثناء المواجهة ليستشهد بطلقة الهاون ، ليكون آخر شهيد بحرب أكتوبر” رغم الحزن بفقدان القائد لكن طبقنا ما تعلمناه منه مما جعلنا أكثر قوة حتي تم إعلان وقف إطلاق النار .
كان تلاعب العدو في المفاوضات جعل القيادة المصرية تعلن عدم الاستمرارية في المفاوضات وأنها سوف تفتح النيران على الجيش الإسرائيلي إذا أطلق أي طلقة اخري على كبريت فتوقف القصف ، وعند تسليم الموقع للجيش الثالث قامت قوات العدو بتحية عسكرية ،اعترافا بصمدنا ،لكن تفاجأ العدو من عددنا كان يظن أننا أكثر من ذلك .
أصبح كبريت شوكة في حلق العدو فكان الصمود سببا في الانتصار .كبريت هي ملحمة أدرك فيها العالم قوة وصبر الجندي المصري وعدم استسلامه تحت أي ضغط أو حصار.