الصحة و الأسرة

علم أمراض الدم الإكلينيكي: بين التحدي العلمي والرسالة الإنسانية الورم

علم أمراض الدم الإكلينيكي: بين التحدي العلمي والرسالة الإنسانية الورم

Spread the love

علم أمراض الدم الإكلينيكي: بين التحدي العلمي والرسالة الإنسانية

الورم النقوي المتعدد… تحدٍّ عالمي وبحث عن حلول جديدة

 

يُعَدّ علم أمراض الدم الإكلينيكي من أهم فروع الطب الباطني، إذ يهتم بدراسة وتشخيص وعلاج ومتابعة أمراض الدم الحميدة والخبيثة، بما يشمل خلايا الدم، البروتينات، نخاع العظم، والجهاز اللمفاوي. هذا التخصص لا يقتصر على الجانب العلمي فقط، بل يلامس حياة الناس بشكل مباشر، إذ قد يبدأ بمشكلات بسيطة مثل فقر الدم، وقد يصل إلى أمراض معقدة مثل اللوكيميا، اللمفوما، والورم النقوي المتعدد.

 

تطور هذا العلم عبر التاريخ بشكل ملحوظ. فمنذ القرن التاسع عشر ومع اختراع المجهر، بدأ الأطباء في اكتشاف أسرار الدم. ثم جاءت ثورة القرن العشرين مع تحديد فصائل الدم وزراعة نخاع العظم، لتفتح آفاقًا جديدة في العلاج. أما اليوم، ومع التقدم في علم الجينات والعلاجات المناعية، فقد أصبح التشخيص أكثر دقة والعلاج أكثر فاعلية، حتى صار علم أمراض الدم نموذجًا حيًا للتكامل بين البحث العلمي والتطبيق الإكلينيكي.

 

من بين التحديات الكبرى في هذا التخصص يبرز الورم النقوي المتعدد (Multiple Myeloma)، وهو ورم خبيث يمثل حوالي 13% من سرطانات الدم عالميًا. يتميز بتكاثر غير طبيعي لخلايا البلازما في نخاع العظم، مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل فقر الدم، هشاشة العظام، فرط الكالسيوم، والفشل الكلوي. ورغم التقدم في بروتوكولات العلاج الثلاثي والرباعي وزراعة الخلايا الجذعية الذاتية، يبقى المرض غير قابل للشفاء حتى الآن، مع حدوث انتكاسات متكررة.

 

خلال أكثر من خمسة عشر عامًا من الممارسة الإكلينيكية والبحث العلمي، واجهت العديد من مرضى الورم النقوي المتعدد. هذا الاحتكاك المباشر كشف لي حجم المعاناة التي يواجهها المرضى وأسرهم، وكان دافعًا قويًا لي للبحث عن حلول جديدة يمكن أن تُحدث فارقًا في علاجهم. ومن هنا جاء اهتمامي بالمشاركة في الأبحاث العلمية المتقدمة التي تبحث في الآليات العميقة لهذا المرض.

 

وقد شاركت مؤخرًا في بحث علمي منشور ألقى الضوء على دور تصنيع الريبوسومات (Ribosome Biogenesis) في نمو الورم النقوي المتعدد ومقاومته للعلاج. بينت الدراسة أن خلايا الورم تعتمد بشكل مفرط على تصنيع البروتينات، مما يجعل استهداف هذه العملية الحيوية خيارًا واعدًا. وبرزت بالفعل أدوية جديدة مثل CX-5461 و BMH-21، التي تثبط إنزيم RNA Polymerase I، كاستراتيجيات علاجية مبتكرة خاصة في الحالات المقاومة للعلاج التقليدي.

 

إن الانتقال من استهداف الخلايا السرطانية وحدها إلى استهداف آلياتها الحيوية الداخلية يمثل تحولًا مهمًا في فهمنا وعلاجنا لأمراض الدم. وهذا بدوره يعكس حيوية هذا التخصص، ويؤكد أن المستقبل يحمل الكثير من الأمل.

 

بالنسبة لي، يظل علم أمراض الدم أكثر من مجرد تخصص طبي؛ إنه رسالة إنسانية وعلمية في آن واحد. فقد تعلمت من تجربتي مع مرضى الورم النقوي المتعدد أن البحث عن حلول جديدة ليس رفاهية، بل واجب أخلاقي وعلمي لإنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة. وإنني أطمح أن تكون مساهماتي، سواء في العيادة أو في البحث العلمي، جزءًا من الجهد العالمي المستمر لتطوير هذا المجال وخدمة المرضى في مصر والعالم.

 

 

 

د. محمد حلبي البهوتي

مدرس أمراض الباطنة وأمراض الدم – كلية الطب، جامعة الإسكندرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق